مع فوز تسيبي ليفني بزعامة حزب كاديما في إسرائيل ومحاولتها تشكيل ائتلاف حكومي قادر على الصمود فإنه لا يكاد يذكر اسمها دون أن يقرن باسم امرأة أخرى هي الأشهر من بين الإسرائيليات في العالم.
هذه المرأة هي جولدا مائير التي كانت أول امرأة تشغل منصب رئيسة وزراء إسرائيل.
غير أن وجه المقارنة لا يقتصر فحسب على المنصب والجنس ـ وإن اتهمت مائير بالخلو من الأنوثة وتلقت ليفني الإعجاب "لوفرة الأنوثة لديها" ـ بل وعلى الصفات الشخصية أيضا.
كانت جولدا مائير ثالث امرأة في العالم تشغل منصب رئيسة الوزراء ـ بعد سيريمافو بندرانيكه رئيس وزراء سيلان(سيرلانكا حاليا) وإنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند ـ غير أنها لم ترث المنصب كسابقتيها، وإنما خاضت حياة سياسية وحزبية حافلة وفرضت نفسها على الواقع السياسي في إسرائيل مما أهلها للقب "المرأة الحديدية" و "الرجل الوحيد في الحكومة"، وجعلها الخيار المناسب لملء الفراغ الذي خلفه الموت المفاجئ عام 1969 لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ ليفي إشكول.
وهنا يبرز وجه من أوجه التشابه مع ليفني التي وإن كانت تجربتها السياسية أقل وهجا ـ ربما بالضرورة حيث خبرت مئير سنوات تأسيس إسرائيل ـ إلا أن شخصيتها القوية قد جعلتها الخلف الذي يلجأ إليه حزبها كاديما للنهوض من عثرات تقديم رئيسه ورئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت للتحقيق بتهم الفساد وقبل ذلك سوء الأداء والتقييم في الحرب التي شنها في لبنان عام 2006.
ولدت جولدا مائير في كييف بأوكرانيا عام 1898. هاجر والداها وهي في الثامنة من العمر إلى الولايات المتحدة ومنها هاجرت مع زوجها إلى فلسطين وهي في الثالثة والعشرين من العمر بعد أن كانت قد انخرطت في صفوف العمل من أجل إقامة دولة إسرائيل ضمن جماعة تدعى "عمال صهيون".
في إسرائيل عملت جولدا كما أصبحت تعرف في صفوف اتحادات العمال ثم حزب العمل لدى تأسيسه فارتبطت باليسار في إسرائيل وحكوماته التي احتكرت إدارة البلاد حتى تصاعد المد اليميني والذي نجح في تشكيل أول حكومة له برئاسة مناحيم بيجين عام 1977.
فيما ولدت ليفني عام 1950 أي بعد إقامة الدولة التي شحذت جولدا خبرتها في دعم بنائها، أسرتها كانت يمينية متطرفة، درست القانون وترأست سلطة المؤسسات الحكومية عام 1996 فكانت مسؤولة عن عملية بيع الشركات والاحتكارات الحكومية للقطاع الخاص.
انتخبت نائبة في الكنيست عام 1999عن حزب الليكود اليميني، لتهجره بعد ذلك وتنضم إلى رئيس الوزراء السابق إرئيل شارون في حزبه الجديد كاديما والذي انتقلت زعامته إلى أولمرت إثر مرض شارون.
لكن قبل إكمال ليفني دراستها الجامعية عملت لفترة في جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) أقامت خلالها في باريس حيث تختلف التأويلات حول مدى ضلوعها في أعمال الجهاز.
جولدا مائير كانت أعمالها علنية في معظمها سواء كزعيمة للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية أو في جمع التبرعات من الولايات المتحدة لتمويل إقامة إسرائيل أو في المناصب التي شغلتها بعد ذلك.
غير أنه من المهام السرية التي قامت بها محاولة إثناء الملك عبد الله ملك المملكة الأردنية الهاشمية الذي كان قائدا لجيش الإنقاذ العربي عن مهاجمة إسرائيل عام 1948 بعد إعلان تأسيسها حيث تخفت بزي عربي لتنجح في لقائه، والتقت به. كانت أيامها عضوة في الحكومة التمهيدية برئاسة دافيد بن جوريون الذي أرسلها في تلك المهمة.
شغلت مائير منصب وزيرة خارجية إسرائيل، وشغلته أيضا ليفني التي ستظل تمارس مهامها في حكومة تسيير الأعمال برئاسة أولمرت التي كثيرا ما اختلفت معه وأجهضت سلطته أثناء عملها تحت امرته.
ورثت جولدا عن إشكول حكومة وحدة وطنية سرعان ما انهارت في خلاف حول الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار مع مصر ولما تعقد اتفاقية سلام معها.
فيما ترث ليفني عن أولمرت ملف المفاوضات مع الفلسطينيين التي كانت مسؤولة عنه وأظهرت من خلاله ميكيافيلية أقلقت البعض. وهناك بالفعل بوادر انفضاض عنها بسبب التشدد في هذه المسألة. إيلي يشاي زعيم حزب شاس اليميني المتشدد والذي يعتمد عليه مصير أي ائتلاف حكومي جديد أول الذين وضعوا شروطهم للاشتراك في حكومة ليفني، وعلى رأس هذه الشروط ألا تكون هناك مفاوضات حول مستقبل القدس.
بالطبع فإن مسألة سوء أداء مائير في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 هو وجه للمقارنة بالتقارب مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت وحرب 2006 رغم أن ليفني كانت عضوة في حكومته، إلا أن مسألة تأثير الملف الفلسطيني على تماسك الائتلاف الحاكم المقبل ـ إذا ما قام ـ وما يدور من حديث عن استعداد إسرائيل لضرب حزب الله من جديد قد يكون نقطة تماثل ـ وربما اختلاف ـ مع سيدة